من منا لم يتعرض في حياته لصدمة ما ؟!
كل شخص منا معرض على الأقل لصدمة واحدة في حياته ، ليس القصد بالمشاكل العادية التي تحدث لنا بين فترة و أخرى ، و إنما مصيبة فادحة تقلب حياتنا كاملةً رأساً على عقب ، و لا تعد الحياة بعدها كما كانت من قبلها .
بعض البشر يضعف و يستسلم ، و يقضي باقي حياته في عزلة متأثر بهذه الصدمة ، بينما البعض الآخر لديهم القدرة ليتخطوا هذا الحدث و يواصلو المسير في حياتهم. ما يجعل هذه القلة من الناس تتخطي الصدمة و تواصل حياتها ، بل من الممكن ان يحدث لهم ما يسمى ب " نمو ما بعد الصدمة " أن هؤلاء الناس يتمتعون بمستوى عالي من النضج النفسي ، و الإرتقاء العاطفي ، ما يجعل من سقوطهم أمر صعب بعض الشيء ، بعكس الآخرين الذين يضعفو و يسقطو من أول مصيبة تواجههم في حياتهم .
هناك من يجعل من هذه الصدمة شرارة لنمو الدافع لديه ليواصل حياته بشكل افضل ، ربما لو لم تحدث له هذه الصدمة لما كان هذا الدافع سيتولد لديه .
إذاً .... كيف أدرب نفسي على تخطي الصدمات ؟؟
أولاً : من المهم جداً أن تكوني شاعرة بالأمان ، إن لم يكن لديكِ مصدر أمان فابدأي بخلق هذا المصدر ، ابتداءً بالله عزَّ وَ جل و ثقتك به ، و بأن وجوده معك هو مصدر الأمان الحقيقي ، و يجب أن تستشعري بوجود هذا الأمان دائماً بقربك ، قوي علاقتك بالله عزَّ و جل ، حافظي على أذكارك و وردك ، اشعري دائماً بأنك قريبة منه ، و من ثم اجعلي لك مصدر أمان بعد الله عزَّ و جل ، كشخص تثقي دائماً أنه موجود بقربك يمكنك الإعتماد عليه ، قد يكون هذا الشخص أم ، أب ، أخ أو أخت ، صديقة مقربة ، فالشعور بالأمان يخفف دائماً من حدة الصدمة ، و يجعلك تتخطيها بشكلٍ اسرع.
ثانياً : يجب أن يكون لديكِ مجموعة من الثوابت و الضوابط التي تبني عليها أفكارك و معتقداتك ، فعندما يكون لديك ضوابط و ثوابت معينة و ثابتة ،حتى و إن خرجتي أو انفصلتي عنها وقت الصدمة ، فسرعان ما ستعودين لها لأنها أصبحت عادة متأصلة فيك ، و يجب أن تبني لكِ أفكار حول الفشل و التجارب الجديدة ، و هذه الأفكار تعتمد على أن الفشل ليس نهاية العالم ، سواءً كان على المستوى المهني أو العاطفي ، و أن دائماً هناك فرصةً أخرى ، ناس آخرين ، و أن لابد من المحاولة مجدداً حتى و إن تطلب الأمر تغيير المسار أو المعتقدات بشأن شيءٍ ما.
من المؤكد أن استجابتك للصدمة ستتعلق دائماً بطريقة تفكيرك في الأمور و ما اعتدتي عليه ، لذا اجعلي لكِ أساس متين من هذه الأفكار لكي تتخطي الصدمة بشكلٍ أسرع .
ثالثاً : تعلمي المرونة في كل شيء ، المرونة في التفكير ، المرونة في التنفيذ و المرونة في طريقة تنفيذ هذه الأفكار أيضاً ، المرونة تنجينا دائماً من العديد من المشاكل ، و تساعدنا في تخطيها لاسيما في حالة الصدمة ، إن اعتدتي المرونة و أن لا بأس بتغيير خطة أو مسار أو أي شيء ، لن يكون للصدمة أثر كبير عليك ، ستجتازينها بسرعة بما تعودتي عليه من المرونة .
رابعاً: اكتشفي قواكِ الذاتية ، بمعنى أن تكتشفي نقاط قوتك و اعتادي الإعتماد على نفسك ، قوي علاقاتك الإجتماعية و ادركي ماهو هدفك في الحياة ، في دراسات قام بها علماء النفس ، أن الأشخاص الذين لديهم هدف واضح في حياتهم هم أكثر الناس اجتيازاً للصدمات في حياتهم ، فالهدف يكون بالنسبة لهم كنقطة نهاية يجب الوصول إليها بعيداً عن كل المشتتات التي تواجههم في طريقهم ، بما في ذلك تعرضهم للصدمات.
خامساً: كوني اجتماعية ، و أثناء تعرضك لصدمةٍ ما حاولي قدر الإمكان على تواجدك بين الناس ، فوجودنا بين الناس يعتبر ركيزة أساسية لصحتنا النفسية مهما كنا إنعزاليين ، فالتواصل الإجتماعي و التفاف من نحبهم حولنا يساعدنا في تجاوز الصعاب ، و أيضاً بوجود من نحب نحن ندرك أن الصدمة لم تدمر كل شيء
سادساً و أخيراً : تعاملي مع الصدمة حسب وقعها في نفسك و حسب استجابتك ، فإن كنتي عاجزة عن تقبل الموضوع في الوقت الحالي ، لا بأس من تأجيل المواجهة بينك و بين نفسك ، كأن تأجلي التفكير في الموضوع ليوم أو يومين حتى يتمهد لكِ الأمر ، و إن كان أمر يمكنك مواجهته فواجهيه بالحال ، و ابتعدي كل البعد عن التفكير بكونك ضحية للظروف و الأشخاص ، بل اجعلي تفكيرك دائماً أنكِ بطلة قصتك و أنتي من يكتب هذا السيناريو ، تحدثي مع نفسك و كأنك تتحدثي مع شخصٍ آخر ، و انصحيها و وجهيها للخطوة التالية ، و ما يجب عليها فعله لاحقاً بعد هذه الصدمة حتى و إن أخذتي ورقة و قلم و بدأتي بكتابة هذه المحادثة ، هذا في علم النفس له أثر كبير في ضبط النفس و المشاعر و منعها للإنجرار لمشاعر الإكتئاب و العزلة و كل ما يتعلق بمشاعر الصدمة.
و أخيراً ... كوني متفائلة ، كما تحدثت في أول هذا المقال يجب أن تشعري بالأمان و شعور الأمان مرتبط بشعور التفاؤل ، اعتادي التفاؤل بأن كل شيء سيصبح على ما يرام ، فاعتيادك للتفاؤل في جميع أمور حياتك سيخفف عنكِ من هول الصدمة ، فأنتي قد اعتدتي على التفكير و الشعور بأن كل شيء سيصبح على ما يرام .
اعتني بقلبك .. بروحك .. فهذا القلب و هذه الروح لا تملك أحداً سواكِ للعناية بها ، ارأفي بحالك أولاً فأنتي تستحقي هذه الرأفة بنفسك.